أطفالنا والأجهزة الإلكترونية (Electronic devices and our children)

       تتباين الآراء حول الموضوع وتتغير من وقت لآخر نظرا لتغير الوسائل والتطور المستمر وكذلك الاحتياجات المتعددة، بالإضافة الى انتشارها ودخولها في مختلف جوانب حياتنا ولأهمية تأثيرها ايجابا او سلبا على أطفالنا.

      رأيت التطرق للموضوع وفق ما هو متوفر من المعلومات في وقتنا الحاضر. وحينما نتكلم عن استعمال الاطفال للأجهزة الالكترونية فالموضوع أكثر تعقيدا، ولكن هناك خطوط عامة يتفق الكثير حولها والتي قد تتغير بتغير الظروف والتطور التقني السريع. ومن المؤكد ان لهذه التقنية فوائد ملموسة وعلى الأخص في مجال التعليم وان كانت لا تخلو من الاضرار عند سوء استعمالها.

وما هي فوائدها؟

أبرز هذه الفوائد:

1 – اصبحت تلعب دورا هاما في مجال التعليم حتى في السن المبكرة.

2 – تطوير القدرات الفكرية وبطريقة محفزة وممتعة للطفل، ورغم تحفظ البعض إلا انه بالتأكيد هناك ما يفيد وابسطها كمثال الحروف الابجدية والحساب بطريقة أسهل وأكثر ترغيبا للطفل، رغم ان الكتاب الورقي قد يفي بالغرض المطلوب حتى لمن دون الثانية من العمر فالاستعمال النوعي المحدود قد يكون مفيدا للطفل ونعني بذلك ان نشارك الطفل المشاهدة ونتفاعل معه بمحادثته عما يشاهده لا ان نتركه لوحده مما يساعده على تنمية مداركه الحسية والعقلية.

3 – التواصل مع الاخرين بواسطة وسائل التواصل الاجتماعي وفي حدود معينة بإشراف الاهل، يتيح للطفل الانفتاح والاندماج مع الاخرين مما يعزز علاقاته الاجتماعية.

4 – وسيلة ترفيهية تحسن مزاج الطفل وبطريقة ممتعة وسهلة مما يخفف التوتر والملل وكسر الروتين خاصة وان اللعب جزء مهم في حياة الطفل ولكن ضمن حدود لا تؤثر على الطفل وبمراقبة الاهل.

5 – من المتوقع ان تأخذ الاجهزة الالكترونية حيزا أكبر في العملية التعليمية في المستقبل وفي مراحل مبكرة ويؤمل ان يؤدي ذلك الى تحسين المستوى النوعي لمخرجات التعليم، بالإضافة الى تحسين امكانيات التعلم عن بعد.

وما هي السلبيات والاضرار التي قد تحدث للأطفال من استعمال الاجهزة الالكترونية؟

هناك علاقة بين الاستعمال غير المحدود او الخاطئ وبعض المشاكل الصحية التي قد تحدث للطفل ومنها:

1 – تشتيت انتباه الطفل وبالذات قبل سن الثالثة من العمر وتأخر النطق.

2 – تغيرات سلوكية ونفسية وربما الميل الى العنف عند البعض.

3 – يقل التحصيل العلمي في الاطفال اللذين يمضون أوقاتاُ طويلة ولو ان ذلك يعتمد على محتوى ما يشاهدونه إلا انه وجد بشكل أكثر لدى مدمني الالعاب الالكترونية مقارنة بأقرانهم.

4 – السمنة: هناك علاقة بين زيادة الوزن والجلوس الطويل مع الاجهزة الالكترونية ولقلة الحركة دور في ذلك.

5 – تأثر الترابط والتواصل العائلي سلبا عندما ينشغل الطفل بها على حساب التواصل والتحادث وجها لوجه مع من حوله.

6 – يعاني البعض من الصداع او تأثر النظر بسبب التحديق الطويل في الشاشات.  

7 – الآم الظهر والرقبة والكتف بسبب الوضع السيئ لدى البعض والجلوس لفترات طويلة في اوضاع غير صحية.

وكم هو الوقت المسموح به؟

كانت توصيات الاكاديمية الأمريكية لطب الاطفال (A.A.P) بان لا يسمح للأطفال في سن الدراسة أكثر من ساعتين في اليوم ولا يسمح مطلقا لمن دون السنتين وللأطفال بين 3-5 سنوات ساعة واحدة في اليوم. ثم تم تحديث التوصيات في 2016 واعتمدتها منظمة الصحة العالمية (WHO) في 2019. ولم يعد تحديد الوقت بساعتين ممكنا في ظل تزايد الحاجة الى التقنية في العملية التعليمية ودخول الكمبيوتر كأداة من ضرورات التعليم، ومن ضمنها اداء الواجبات المدرسية مما لزم المرونة في تمديد الوقت وافساح المجال لوقت اطول طالما دعت الحاجة ولكن دون تجاوز للحدود، اما للترفيه فيكون المجال في اضيق الحدود تجنبا للإفراط الذي قد يعزل الطفل عمن حوله حين يصبح متعلقا بالشاشة أكثر الوقت وخاصة عند اجتماع العائلة، وينطبق ذلك على الكبار ايضا اللذين يفترض ان يكونوا نموذجا جيدا يحتذى به الطفل. اما في عمر 3-5 سنوات فلا ينصح بالجلوس على الأجهزة أكثر من ساعة في اليوم ويمكن الاستفادة منها كوسيلة للتعليم المبكر وبمشاركة الاهل والتحادث مع الطفل (التعليم التفاعلي) لا ان يترك الطفل لوحده وهي طريقة مفيدة وممتعه للتعليم. اما من دون الثانية فالأفضل ابعادهم قدر الإمكان.

ماذا نعني بالإفراط؟

هو طبعا شيء تقديري وقد يتغير من وقت لآخر، ولكن عندما يكون الطفل شغله الشاغل الجلوس امام شاشة الاجهزة وحين يؤثر ذلك على دراسته او نومه او تواصله مع الآخرين ومنكبا على اللعب من خلالها فذلك بالتأكيد افراط وتجاوز للخطوط الحمراء، وهنا لابد من التدخل الايجابي ليس بالتقنين فقط وانما بإيجاد البدائل حسب عمر الطفل فالطفل يعشق اللعب ويمل الفراغ. ولابد ايضا من الصرامة مع القليل من المرونة لمصلحة الطفل رغم ان الامر قد لا يكون سهلا وخاصة في سن ما قبل المدرسة.

وما هي الأوقات المناسبة؟

غالبا ما يكون بعد اداء الواجب المدرسي، وبعد تناوله طعامه، وعندما يزوره اصحابه.  ويجب ان يفهم الطفل ان هناك اوقات غير مسموح فيها وعلى الاخص عند النوم ووقت الاكل. ويتغير الجدول حسب الظروف فمثلا الاجازات غير ايام الدراسة. وينطبق ذلك على مشاهدة التلفزيون فلا يسمح بالجلوس امامه طوال اليوم وحتى في الاجازات كما ان اعطاء الجهاز للطفل الصغير اثناء التسوق او في السيارة لإشغاله ليس له ما يبرره.

وهل هناك ملاحظات اخرى؟

نستطيع ان نوجز بعض النقاط واهمها:

1 – ان الاجهزة الالكترونية واقع مفروض يجب ان نتقبله ومع سرعة انتشارها وسهولة الحصول عليها، يجب ان نحرص على الاستفادة منها كبارا وصغارا، على ان نولي اطفالنا اهتماما أكثر لاستثمارها ايجابيا وخاصة في مجال التعليم ومبكرا.

2 – يجدر بنا نحن الكبار ان نلم بالمستجدات حتى نستطيع ان نواكب اطفالنا وهم أكثر قدرة منا على استيعابها حتى نستطيع التعامل معهم.

3 – لابد من المراقبة ووجود ضوابط معقولة لحماية الطفل وتوجيهه والحفاظ عليه مما قد يؤثر سلوكيا واخلاقيا.

4 – لابد ان يلتزم الطفل بأوقات الحظر الكامل وهي وقت الاكل وقبل النوم.

5 – لابد من وقت للعائلة كلها بدون اجهزة تجتمع فيه للتحادث وجها لوجه.

6 – تنويع انشطة الطفل الفكرية والبدنية حتى لا تكون الاجهزة الالكترونية متنفسه الوحيد وخاصة فيما يتعلق بالترفيه.

7 – اخيرا يفترض ان نعطي نحن الكبار – كما ذكرنا -نموذجا جيدا في الاعتدال يحتذي به اطفالنا.

الدكتور هاشم محمد المساوي

26/ 3/ 2020