تصف احدى الامهات ما حدث لها لأول مرة فتقول لم اصدق عيني ..خلت انها ستموت ولقد كانت قبل ثوان تكلمني وهي في حضني بعد ان فرغت لتوي من وضع الكمادات الباردة على جبهتها -كعادتي-لتخفيف حرارتها , وفجأة … لمحت عينيها تنظر الي في ذهول , ثم ترتفع شاخصة الى السماء ثم ترتج اطرافها .. طرحتها من يدي دون ان اشعر .. وهرولت إلى جارتي كالمجنونة لقد كنت حينها وحدي .. نقلوها الى المستشفى على عجل وكان سؤالي حين وصلت الى المستشفى بصحبة زوجي هل لازالت على قيد الحياة ..؟ حمدت الله كثيرا حين سمعتها تصرخ . ربما كان المشهد كله دقائق , ولكنه بالنسبة لي كان ساعات وساعات .. اخبروني بأن لا خطورة في الأمر .. وقالوا انه .. التشنج الحراري ..
لقد كان شعور الأم وقتها طبيعيا جدا , وبالتأكيد هو نفس شعور كل أم تمر بنفس التجربة . ويبقى بعد ذلك القلق من ان يتكرر الحادث , وربما الغموض والوساوس حول ماهية ما حدث … من أجل ذلك اكتب هذا المقال , آملا ان يكون عونا لفهم هذه الظاهرة وبالتالي تخفيف القلق بشأنها وكشف الغموض حولها.
هل التشنج الحراري شائع…؟
الكثير لم يسمع به, ولكنه ليس نادرا اذ يتعرض له 3 من كل 100 طفل بين الشهر السادس والخامسة من العمر.
وماهي أعراضه..؟
غالبا ما يكون الطفل مرتفع الحرارة , ولكنه في حالة عادية , وبكامل وعيه, وقد يكون في حضن امه او مستلقيا في فراشه .. وفجأة ودون توقع يبدأ الطفل شاخصا ببصره الى أعلى ويتصلب جسمه , ثم تبدأ أطرافه في الاختلاج (الارتجاج) ويغيب عن الوعي , وتستمر الحالة عادة ثوان او دقائق معدودة او قد تطول في احيان نادرة متقطعة او متصلة , يلج بعدها الطفل في فترة من النوم.
ولماذا يحدث التشنج الحراري ؟ ماهو السبب ..؟
يبدو ان سرعة الارتفاع وليس مستوى الارتفاع في درجة الحرارة هو السبب , وذلك بأحداث ما يشبه الخلل الطارئ في سير موجات المخ الكهربائية وهو في اسرع فترات نموه . ورغم ان سبب الحرارة في معظم الحالات عدوى فيروسية الا ان الحرارة وليس الفيروس هو السبب المباشر .
ولماذا يحدث لبعض الاطفال فقط ..؟
يبدو ان للعامل الوراثي (الاستعداد الوراثي ) دور في ذلك اذ قد توجد حاله مشابهة لدى طفل آخر في العائلة او احد الوالدين في 10 % من الحالات.
وهل يلزم عمل أي فحوصات..؟
لا .. اذا ان التشخيص واضح في معظم الأحيان وفي حالات نادرة وبالذات في المرة الاولى، او كان عمر الطفل اقل من سنه قد يلجأ الطبيب لبعض الفحوصات المخبريه للتيقن من التشخيص كفحص الدم او السائل المخي اذا اشتبه بوجود التهاب السحايا المخية.
وهل تستدعي الحالة ادخاله المستشفى .. ؟
ينصح بذلك في المرة الأولى للملاحظة ونادرا ما يكون ذلك اكثر من يوم واحد.
وماهو احتمال تكرار الحاله ..؟
حوالي 40 % وربما اقل من ذلك اذا حصل التشنج الأول بعد عمر 18 شهرا ويتكرر اكثر من مرة في 25% من الحالات.
وماذا عن المستقبل , هل ستزول الحاله..؟
نعم.. غالبا بعد ان يتجاوز الطفل الخامسة من العمر وبالنسبة للبنات قبل ذلك . ويبدو ان المخ بعد هذا العمر يكون اكثر قدرة على مقاومة تأثير الحرارة.
وهل هناك أي طريقة او فحوصات لمعرفة ماذا كانت ستتكرر الحاله ..؟
للأسف لا .. وحتى رسم كهربائية المخ (EEG) لا يساعد بشئ
وهل للتشنج الحراري أي تأثير على المخ ..؟
لا .. ولكن يجب ان لا يسمح للتشنج بالاستمرار لفترة طويلة ( اكثر من نصف ساعة) خوفا من احتمال ان يؤثر ذلك على المخ بشكل او بآخر .
وهل يحتمل ان تتحول الحاله الى صرع ..؟
لا .. ما عدا في حالات نادرة، كأن يكون الطفل بذاته متخلفا في نموه او معاقا في جهازه العصبي ( كالشلل الدماغي مثلا ) والاحتمال وارد ايضا , ولكن بدرجه اقل , اذا كان احد افراد العائلة الأقرباء جدا مصابا بالصرع. وليس صحيحا ان تكرر الحاله او طول فترة التشنج يعني زيادة الاحتمال بان تتحول الحالة الى صرع.
وهل هناك علاج او دواء لمنع الحاله ..؟
طالما ان الارتفاع المفاجئ في الحرارة هو السبب المباشر فربما يفيد تخفيض حرارة الطفل ويكون ذلك بإعطاء الطفل دواء خافضا للحرارة أثناء حدوثها او عند توقع ذلك. أما تعاطي الأدوية المانعة للتشنج بشكل مستمر فلا ينصح به إلا في حالات خاصة , لما لهذه الأدوية من تأثيرات جانبية قد تفوق الفائدة المرجوة منها.
وما العمل عند حدوث الحالة ؟ وكيف يسعف الطفل في المنزل ..؟
اولا .. لا داعي للذعر والهلع .. يوضع الطفل المتشنج مستلقيا على جانبه ولا لزوم لوضع شي بين أسنانه كما يظن البعض. تنزع ملابس الطفل إذا كانت سميكة، وتخفض حرارته بكمادات من الماء العادي (Tepid Spongining). في معظم الأحيان يتوقف التشنج خلال ثوان أو دقائق معدودة. لا خوف من ذلك. يدخل بعدها الطفل في فترة من النوم. يمكن عندئذ اعطاء الطفل دواءاً خافضاً للحرارة عن طريق الشرج (تحميلة)، ولا شي يلزم بعد ذلك.
يؤخذ الطفل فيما بعد لزيارة الطبيب لمعرفة سبب ارتفاع الحرارة ان لم يكن واضحاً وإعطاء العلاج ان لزم.أما اذا لم يتوقف التشنج بعد دقائق فينصح بنقل الطفل مباشرةً إلى أقرب عيادة أو مستشفى للسيطرة على الحالة ودون تأخير.
وينصح بعض الأطباء بإعطاء الدواء المانع للتشنج وقت ارتفاع الحرارة بالفم ولفترة محدوده كإجراء وقائي لمنع التشنج في الحالات المعقدة (كثيرة التكرار أو طويلة المدى)، وهي طريقة مأمونة وربما مفيدة. كما أن اعطاء الدواء عن طريق الشرج ان توفر أكثر فعالية وأماناً لايقاف التشنج.
وباختصار فإن التشنج الحراري – خال من أي خطورة أو مضاعفات –